خلق الله تعالى البشر ليسكنوا الارض ويعمروها .. وليطلبوا العلم ، فالإنسان مهما زاد علمه فانه لم يبلغ من علم الله شيئا ، فان علم الله واسع ولم يخلق بشرا على هذه الأرض وكان على علم بعلم الله عز وجل فهو وحده عالم كل شيء وعلام الغيوب . وكلما عاش الإنسان في هذه الدنيا فعليه طلب العلم ، وكلما زاد علمه كلما اكتشف انه لم يعلم من علم الله شيئا .
وقد ذكرت في سورة الكهف قصة تحكى عن ان حتى الرسل التي ارسلها الله لنا واعطاهم العلم والمعرفة .. بان علمهم لم يبلغ من علم الله شيئا .
قبل البدء تستطيع قراءة قصة سيدنا موسي عليه السلام كاملة من موقعنا ايضا, ضربت قصة موسي والخضر مثلا واضحا على ذلك ..كان سيدنا موسي يخطب في قومه ” بنى اسرائيل ” فساله رجلا عن من هو أعلم رجل على الارض فقال سيدنا موسي عليه السلام انه هو اعلم رجل على هذه الارض ، فعاتبه الله عز وجل لأنه لم يسند الفضل اليه واوحى له بان يوجد شخصا على الارض اعلم منه ويوجد هذا الرجل في مجمع البحرين ، فقال تعالى “(وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَٰهُ لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ) “.
وذكر ذلك في حديث رسول الله ،عن أبي بن كعب رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
( إِنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَسُئِلَ : أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ . فَقَالَ : أَنَا . فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ إِنَّ لِي عَبْدًا بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ ) صدق رسول الله ” صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “.
فامر الله سيدنا موسي عليه السلام ان يخرج ويأخذ معه حوتا وفى المكان الذى سيفقد فيه الحوت سيجد هذا الرجل ، فخرج سيدنا موسي واخذ معه فتاه يوشح واخذ حوتا معه ، فلما بلغا الصخرة غلبهما النعاس وعندما استيقظ سيدنا موسي وكان قد نسي امر الحوت واستمر في مسيرة البحر ، وعندما اراد سيدنا موسي ان يأكل فتذكر الفتى امر الحوت وقال لسيدنا موسي انه نسي الحوت عند الصخرة ، فرجع سيدنا موسي الي الصخرة فوجد الرجل “الخضر” .
فقال تعالى “( فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا . قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا . قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا . وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا . قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا . قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ) “.
فعندما وصل سيدنا موسي ووجد الرجل فسلم عليه وعرف الرجل سيدنا موسي وقال له انه هو موسي من قوم بنى اسرائيل وان الله ارسله بالتوراة الى البشر .. وهما يتحدثان جاء طائر ليشرب من البحر فاخذ بنقاره القليل من الماء ثم طار ..فقال الخضر لسيدنا موسي ان علمه وعلم سيدنا موسي ليس الا كما اخذ الطائر من البحر .. وقال سيدنا موسي للخضر انه يريد ان يطلب العلم عنده ، فقال له انه لم يصبر ..فتعهد سيدنا موسي انه لا يعصي له امرا ولا يساله عن تفسير ما سيفعله ..فوافق الخضر وبدأت رحلتهم .
فركبوا سفينة ليعبروا البحر و، فقام الخضر بعمل ثقب ووضع فيه وتدا ، فغصب سيدنا موسي وقال له انه سيهلك معهم بل سيكون اول الهالكين ، فقال له الخضر الم أقل لك انك لم تصبر ، فاعتذر سيدنا موسي ، فقال تعالى ( “فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا . قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا . قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا “).
فاكملوا رحلتهم وعندما وصلوا الى الساحل وجدوا صبيان يلعبون فاخذ الخضر احدهم وقتله ، فغضب سيدنا موسي مره اخرى وقال له كيف تقتل صبيا بدون أي ذنب ، فقال له الم اقل لك انك لم تستطيع معي صبرا ، فقال له سيدنا موسي ان سالتك عن شيئا اخر لا ترافقني وانها الفرصة الاخيرة .
فقال الله تعالى “( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا . قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا . قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا )” .
واخيرا وصلوا الى قرية اصاب اهلها الجوع ، فطلبوا من اهلها الطعام فرفضوا ان يعطوهم شيئا ، ووجدوا بيتا فيه جدار على وشك الانهيار فأقامه الخضر ، وتعجب سيدنا موسي من فعله هذا وقال له لو انهم كانوا اعطونا الطعام لكان هذا جزاء حسنا ، فقال له الخضر سأخبرك بتفسير كل ما لم تستطيع عليه صبرا.
فقال تعالى “( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا . قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا )”
تفسير مالم يستطيع سيدنا موسي عليه صبرا
فقال الخضر لسيدنا موسي .. ان السفينة كانت لناس مساكين يعملون في البحر وكان هناك ملكا ظالم يأخذ السفن الجيدة غصبا فاردت ان اعيبها ليتركها لهم ، وان الصبى كان كافرا وكان يؤذى اهله وان امر قتله سوف يكون اهون من امر كفره واذيته لأهله ، وان الله سوف يبدلهم خيرا منه ولدا مؤمنا وصالحا ، وان الجدار كان لغلامين يتمين وكان ابوهما رجلا صالح ..وكان تحت هذا الجدار كنزا فاراد الله ان يخفى هذا الكنز حتى يبلغا سن الرشد .
قال الله عز وجل ، بسم الله الرحمن الرحيم “( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا . وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا . فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا . وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا )” صدق الله العظيم.
فهذه القصة دليل واضح على ان مهما بلغ علم الانسان فانه لم يبلغ من علم الله شيئا ، وطالما يعيش الانسان في هذه الدنيا فيجب عليه ان يطلب العلم ليتعلم من علم الله الذى لا حدود له .
بقلم / راندا محفوظ