في مدينة يقال ان اسمها طرسوس ، كان يحكمها ملك ظالم يعبد الأصنام، ويجبر اهل مدينته على عبادتهم وتقديم الهدايا والذبح لهم ، فكان هذا الملك لا يترك احدا على دين سيدنا عيسي الا وقتله .
وكان يوجد في اهل هذه المدينة سبعة فتية يؤمنون بدين سيدنا عيسي وكان عندهم اصرار بثباتهم على دينهم ، وقيل ان الفتية كانوا صغار في السن واشار القرآن في سورة الكهف انهم كانوا على هدى من ربهم ، فقال تعالى “نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى “.
فعندما علم الملك الكافر ان يوجد في اهل مدينته سبعة فتية يؤمنون بدين عيسي عليه السلام ويعصون اوامره ، فارسل اليهم وامرهم بعبادة الاصنام وترك ما يؤمنون به ،واذا لم يفعلوا ذلك فسوف يأمر بقتلهم ، ولكنه رأى منهم ثباتا على دينهم فأمهلهم وقتا وجعل لهم موعدا ليعودوا اليه والى عبادة الاصنام ، وكان الملك الكافر يؤخر حسابهم اعتقادا منه انهم صغار في السن ويجهلون ما سيلحق بهم من الاذى والقتل وتعليق اشلائهم على ابواب المدينة .
فاتفق الفتية على ان يهربوا بدينهم خوفا عليه وقرروا الهروب الى كهف يسمى “انجلوس” يوجد على اطراف المدينة ، فقال تعالى “إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً” ،وعاشوا به وكانوا يعبدون الله ويذكرونه ، وجعلوا واحدا منهم يدعى “يمليخا” ان يذهب الى السوق ليجلب لهم الطعام ، فكان “يمليخا” يلبس ثوبا ممزق لكى يتخفى عن الانظار ولا يتعرف عليه احد .
فقال تعالى :” وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا • هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا • وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا” .
وعندما جاء الموعد الذى امهلهم اليه الملك الظالم ، امر بإحضارهم لينفذ تهديده لهم ، ولكن الناس قالوا له انهم هربوا بدينهم الى الكهف ، فجمع الملك جنوده وذهب الى الكهف ، وامر جنوده بالبناء على الكهف ليموت الفتية بداخله .
ولكن الله عز وجل ضرب على آذانهم فلم يسمعوا شيئا اثناء نومهم الطويل ، وحدثت المعجزة فجعلهم الله نائمين لمدة 309 سنوات ، وان الشمس كانت تدخل الكهف ولكن ليس بشكل مباشر عليهم ، فذكر طبيا ان يجب ان يكون مكان النوم يوصل اليه الهواء كي لا يتعفن الجسد.
واراد الله عز وجل ان يتقلبوا اثناء نومتهم الطويلة حتى لا يتقرح الجلد ويتعفن الجسد ، ولكن كلبهم ذكر انه كان باسط ذراعيه ولم يتقلب ومع ذلك فانه لم يتعفن ، وثبت علميا ان يوجد تحت جلد الكلاب غدد تفرز مادة تمنع تقرح الجلد مادام في جسد الكلب حياة ، فقال تعالى :” وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا • وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ” وهذا يدل على علم الله الواسع الذى لا حدود له.
وبعد مرور 309سنوات ، اراد الله ان يحكم المدينة ملك عادل يؤمن بدين سيدنا عيسي عليه السلام ،واراد الله ان يأتي راع يقوم بفتح الكهف ليحمى اغنامه من المطر ويحتموا بالكهف ، فبعث الله عز وجل في الفتية الروح ، وعندما استيقظ الفتية من نومتهم الطويلة اختلفوا في مدة نومهم ، فلم يعرفوا كم من الوقت مر عليهم .
وارسلوا “ميليخا” الى السوق ليشتري لهم الطعام ،فذهب متخفيا في ثيابا ممزقة لكى لا يتعرف عليه احد ، ، فقال تعالى :” وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا” ، ولكنه كلما مر على علم كان يجهله.
وعندما وصل الى السوق واخرج الدراهم ليشتري الطعام فالتف حوله الناس لان ثيابه ونقوده تبدوا لهم غريبة ، وعرضوا امره على الملك ، فقص “يمليخا” قصته هو والفتية على الملك وذهب الملك وقومه معه الى الكهف ولكنه سبقهم الى اصحابه ليقول لهم ان الملك قادم.
ولكن عندما دخل “يمليخا” ،ضرب الله عليهم فماتوا ..ولما استبطئ الملك قدوم يمليخا دخل هو وقومه علي الفتية في الكهف فوجدهم على حالهم هذا ، واقاموا عليهم مسجدا تكريما لهم ، وكان هذا بمثابة المعجزة .
فقال تعالى :” وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا • سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا”
فهذا مثال واضح على قدرة الله عز وجل على بعث الروح مرة اخرى في الجسد وعلى ان يوم القيامة حق .
بقلم / راندا محفوظ