فى عشق صاحبه المنديل – ام كلثوم

كتبت .. ريم ربيع

تاثير ام كلثوم فى جيل التسعينات :

لست اتحدث بلسان الخبير ناقد الفن المهتم بالتراث ، ولا اتكلم بعقل عجوز قديم يستهويه الكلاسيكيات ويميل تلقائيا الى ما تعودت اذنه على سماعه ، والى ما ياخذه اليه الحنين فيرضيه ويطربه لانه يذكره بماض يعيده صبو ويحرك بداخله ذكريات سعيده وربما حزينه ، ولكن جمالها على اى حال كونها اصبحت ذكرى يشتاق اليها .

عشرينيه انا من مواليد التسعينات يبعد بينى وبينها سنوات طوال  ، ويفصلنا اجيال متنوعه تغيرت فيها الافكار الف تغير وانمحى ملامح الاشياء فى مصر فلم تعد تشبه ما كانت عليه فى السابق .

أول مره سمعتها كنت صغيره كان صوتها قوى رخيم فلم يعجبنى  ، وخاصه انها تطيل فى الكلمات وتعيدها دون مبرر اعتقده فينتابنى  الملل واصم  اذنى عنها وانصرف .

لا اعرف بالظبط متى تغيرت  ، او ربما نضجت فنضج معى الذوق والفكر وأصبح له اختيارات أخرى ، أعرف انى فجاه هويت  أم كلثوم وليس فقط هوى ، بل هو حاله انشداه وسكر  ، فمثلما القهوه هى دواء مدمنها والخمر مسكن من اعتادها فأم كلثوم هى ميزانى وسبيلى للانفصال  عن ما لا اريد ان اعيشه .

فحتى فى حالات نقمتى على الوطن تاتى هى لتهدأنى وتخفف من غضبى قليلا لتذكرنى اننا نتشارك نفس الارض والهويه فأهدا  واسترخى وتاخذنى الحان رق الحبيب الى ما وراء الطبيعه والعالم  ،وتتحول الغرفه الصغيره بجدرانها الصلبه الى ارض واسعه ممتده ليس لها اخر ، فاذا كان هناك شىء لطيف فى مصر اذن  فليكن هى.

 

سر اختلاف ام كلثوم :

أتساءل تكرارا ما سر الاختلاف  ؟ ولماذا هى مسيطره بذلك الشكل المتسلط على القلب والاذن ،  نتوارثها بعد اجيال وسنوات تغيرنا فيها وانكسرت اشياء بداخلنا وتحطم كل امل للحياه .

والحقيقه ان اعجازها واختلافها  هو فى البساطه الصعبه فقصائد ابو فراس الحمدانى التى كنا لا نستطيع نطقها اتت هى وتغنتها ورددناها من بعدها .
فهى قادره على فك مركبات الكلام وعقد الالفاظ وتلحينها لتصبح جزء من حديث الحياه اليوميه ساعدها فيه ذكاء خارق فى انتقاء الكلمات ونطق سليم يطوع الالفاظ الصعبه  فى حنجرتها فتخرج لينه سهلة الوصول الى القلوب .

 

حال الأغنيه قبل مجىء ام كلثوم :

لقد اتت ام كلثوم بعد مرحله انحدرت فيه الاغنيه المصريه  ، فكانت منيره المهديه ونعيمه المصريه هن المسيطرات على الساحه الفنيه ، وكان الذوق العام للاغنيه فى حاله انحدار واسفاف ناتج  عن الاحوال السياسيه والاجتماعيه لتلك المرحله ،والتى عقبت الفشل الذريع للثوره العرابيه
فتحطمت فيها امال المصريين على صخور خيانه الخديوى  ، واحتلال الانجليز لمصر بعد ان كان الحلم ان يخلع عرابى والبارودى انذاك الخديوى ويعلنون دوله ديمقراطيه  ذو سياده بدستور وحكم مستقل ، وربما لو حدث هذا لتغير وجه مصر بشكل عام وتغير معها شكل العالم .

فكان اليأس وفقدان الشغف هو ما انحدر بالمصريين فى كل المجالات ومن ضمنها تذوق الكلمه واللحن

حتى اتت ثورة 1919 فاعيد الامل قليلا للشعب وابتدت مصر تكتشف نفسها وانتعشت الحركه الادبيه والثقافيه وظهرت أم كلثوم لتعيد تشكيل الاغنيه المصريه وترتقى بالذوق العام بعد محاولات سبقتها من سيد درويش ومحمد عبدالوهاب.

 

كيف غيرت أم كلثوم وجه الأغنيه العربيه :

لقد جمعت ام كلثوم بين الكلمه الراقيه السهله القريبه من رجل الشارع وفى نفس الوقت لم تنحدر الى الثقافه العامه ، فاختلطت به دون ان تمتزج او تتاثر بالثقافه السائده .

وكان لها ان ارضت الجمهور ووصلت الى اذن المستمعين دون ان تتنازل عن رقى فنها وما تقدمه  ، وساعدها فى ذلك من اخذوا على عاتقهم الفن كرساله وليس كمهنه  ،فكان الشيخ ابوالعلا محمد فى اوائل الداعمين لها .

وقامت بعمل ثوره شامله فى عالم الغناء يساندهم فيها احمد رامى كرائد للكلمه  ، ومحمد القصبجى مؤلف المقطوعات اللحنيه والتى نستدل بها على الاغنيه حتى لو نسينا كلماتها.

تلك القواعد  الجديده فتحت الباب امام اجيال من الفنانين ليأتوا بعدها يصوغون ويبدعون فى أشكال الموسيقى ، ويصنعون تراث مازلنا فى الالفيه نعيش على اشراقه ونتاثر بابداعه فلا هو اصبح قديم  علينا ولا نحن اصبحنا جديدين عليه.

التعليقات مغلقة.