قبل ان ابدأ فى هذه الروايه كان هناك اجماع كبير على انها افضل روايات الادب المترجم على الاطلاق , وقد استحقت جزء من شهرتها فعلا , فالروايه صاغت الاختلالات النفسيه فى اطار روائى رائع , تناولت فيه النفس البشريه بمختلف صراعتها ومركباتها الغير مفهومه حتى لاصحابها .
وكطبيب نفسى برتبه جراح غاص ديستوفيسكى فى اعماق تلك النفس وصور تلك الصراعات والعقد فى هيئه اشخاص هم ابطال الروايه كل يعانى من خلل ما , وظهر هذا بوضوح اكثر عندما ربط الابطال برباط خفى وجعلهم كحلقات متصله فى سلسله واحده , وانعكس تاثير كل منهم على الاخر حتى على اشد الاشخاص نفورا وكرها لبعض , علاوه على ذلك فقد اضاف عنصر التشويق على مجريات الاحداث مع الايحاء ببعض الالغاز والتى تجعل القارىء فى حاله ترقب مستمر لما سيؤول اليه نهايه الاشخاص و محاوله تتبع الاسرار التى تتكشف امامه
فمن الاب فيدور كارامازوف : اللاعب الاساسى والمسبب الرئيسى لمعاناه ابناءه , الشخصيه الاكثر انانيه وانحطاط دون وازع ولا حد ادى الى كراهيته لنفسه وفقدانه الاحترام لها ووصل به الياس من الاصلاح الى التمادى اكثر فى ابتذاله وتدنيه الاخلاقى حتى امام ابنائه .
ديمترى كارمازوف: لقد اعتبرته كقارىء انه الضحيه الحقيقيه لابيه , والذى عانى منذ وفاه والدته من اهمال ابيه له حتى وصل به الحال الى نسيانه تماما , وتولى خادمه تربيته فنشا فى كراهيه لابيه وصلته الى محاوله قتله وتجلى صراعه الداخلى بين تشبه بابيه وكرهه لهذا التشبه .
ايفان كارمازوف : كان الاكثر غموضا فهو انطوائى المشاعر لا يعرف الافصاح عنها ولكنه يعانى من الم شديد ادى به الى سخريته المريره واستخفافه من كل شىء فرفض كل الثوابت الدينيه واتجه اكثر الى الالحاد بعد معاناته حياه قاسيه , ولكن المفاجئه ان تظهر حقيقه تلك الشخصيه الخفيه بداخله , كمحب ملتهب المشاعر يشعر بعواطف خاصه تجاه خطيبه اخيه .
اليكس كارمازوف (اليوشا ) : اختاره الكاتب ليكون البطل الرئيسى للروايه , ربما لاختلافه فى الشخصيه وخلوه من تلك العقد النفسيه عن اخوته وعن البيئه الذى تربى فيها فكان اكثر دليل على ان الانسان هو من يحدد طبيعته وماهيته بعيدا عن ظروف نشاته فكان الراهب الذى يتمتع بالهدوء والسكينه والحب للجميع دون حكم على اكثرهم فسقا وانحلالا فاعتبره الكاتب الدواء القادر على الاصلاح وشفاء الجروح العميقه المتوغله دون تكبر او استعلاء .
وبالرغم من التعقيد الدرامى الا ان اسلوب السرد كان فى غايه البساطه وصل الى عقل القارىء بيسر حتى يخيل اليه انه يرى نفسه او جزء منها امامه متمثله فى الشخصيات , وساعد فى وصولها الى القارىء العربى المترجم الادبى ” د سامى الروبى “والذى اعتبرته شريك للكاتب فى كتابتها عن نقلها الى العربيه .
لم ينال هذا الكتاب شهره واسعه كباقى اعمال العقاد الادبيه , كثلاثيته المشهوره العبقريات , فبالرغم من قيمته الكبيره والذى احتوى على خلاصه افكار العقاد وخواطره , والذى تضمنها قسمه الاول اليوميه اما القسم الثانى الشذور وتعنى (رقائق الدهب ) فقد تضمنت ارائه فى بعض القضايا السياسيه او الاجتماعيه وتأملاته الفكريه اضاف اليها اهم ابياته الشعريه وتعليقاته عليها.
اذا كنت قارىء , فلغه العقاد الصعبه المتاثره بمدارس اللغه العربيه الصرفه والفاظها المعقده ستحتاج منك الى معجم لتفسيرها ولكن ستلاحظ تغيير جذرى بعد ذلك مستوى التفكير , وزياده فى ثروتك اللغويه , تجعلك تعانى من صعوبه فى اختياراتك الادبيه القادمه التى لن ترضى بعدها مما هو اقل فصاحه.
اما بالنسبه للكاتب فهو بحق كنز للكاتب , ففيه ارشادات العقاد الغير مباشره للكاتب الانشائى , عن طريق تاثر قدراته التعبيريه باسلوب العقاد وزياده ملكاته على الانشاء والتعبير .
لا ينكر احد ان الرافعى هو احد رواد الادب العظام , فله اسلوب فنى رائع فى تصوير الفكره وانشاء الجمل والعبارات بشكل ابداعى راقى , حتى انك تحس بروح الفن تسرى على سن قلمه مما اكسبه استحقاق خاص فى ان يكون الاديب الفنان, لان حتى مع رقى الفاظه وعمق معانيه وانتمائه الى المدرسه الادبيه القديمه تستخدم مفردات اللغه المركبه
اتسم اسلوبه بالبساطه وسلاسه السرد , فكانت تسرى فى نفس القارىء مسرى الماء دون توقف او وجود صعوبه فى الفهم ولكنه مع هذا يعد احد كتاب المدرسه الراجعيه , يعتنق افكار شديده التاخر وخاصه فى القضايا المتعلقه بالمراه , وظهر هذا بوضوح فى كتابه وحى القلم , يصف فيه ان المراه الغير متزوجه هى نصف قاصر لم يكتمل رشدها حتى لو بلغت سن الخمسين.
واقوال اخرى اوضح فيها ان ام جاهله تنجب طفل خير من اديبه متعلمه تنتج قصيده , بالاضافه الى انه افرد لقاسم امين صفحات يلومه فيها على دعوته للحريه وتعليم المرأه , لان فى رايه تم استغلال هذا التعليم بشكل سىء حطم فيه اصنام التقاليد.
ولعل هذا الانتماء للرجعيه كان احد اسباب المعارك الادبيه التى نشات بينه وبين العقاد المتبنى للفكر التقدمى , ومع اختلافى التام معه الا ان تلك المعارك بين المعسكرين كانت لها ابلغ الاثر على المجال الثقافى فى مصر , وخلقت مساحه واسعه لتبادل الفكر وزيادة الابداع الكتابى كان المستفيد منها بلا شك هو القارىء العربى.
كانت صورة نوال السعداوى دائما تنطبع فى ذاكرتى بصورة تلك الكاتبه غريبه الاطوار , صاحبه الشعر الاشعث , دائمه الجدال , ذات الاتجاه الملحد , التى تريد القضاء على الاسلام , ونشر افكار عن الحريه , التى كانت تعنى وقتها الانحلال , ولفترات طويله ترسخت هذه الصوره فى ذهنى الى جانب شائعات جائره سعت الى وادها فكريا .
حتى جاء لقائى الاول والمتاخر للغايه مع كتابها توأم السلطه والجنس , والذى ترددت طويلا قبل قرائته , خوفا من ان يؤثر الحادها فى ايمانى , او يزعزع شكها فى يقينى , ولكن كيف يكون من يقين ثابت اذا تأرجح من رأى واثر فيه كتاب .
كان الكتاب عباره عن مقالات مجمعه ومواقف حياتيه للكاتبه مما تم قبول نشره او رفضه ,اتسم فيه الاسلوب الانشائى للكاتبه السهوله والوضوح حتى انك كقارىء لا تمل منه ابدا , طرحت فيه اسئلتها ومناقشتها حول القضايا والمشاكل الخاصه بالمرأه والتى كانت ومازالت محل جدال ونقاش اجتماعى , من الطاعه , الختان , الميراث , وحق العمل وما يترتب عليها من اعاده توزيع الادوار فى الاسره .
وكانت المفاجاه لى قويه اذ ان الكاتبه المتهمه بالالحاد عرفت نفسها فى البديه انها ابنه لشيخ ازهرى قد دربها على التفكير كجزء من الايمان , وان فى كل مناقشتها كانت تطرح الشريعه كجزء وحل لمشاكل المرأه , وتستشهد بالايات والاحاديث الى جانب فتاوى واراء شيوخ الازهر من ضمنهم الامام محمد عبده .
وان كل ما تم اثارته حولها فهو عباره عن احد وسائل الاغتيال المعنوى المنظم الذى لا يستطيع مواجهة الفكر فيقتله , وقد تختلف او تتفق مع ارائها الا اننا لا ننكر ابدا انها احد رائدات الادب النسوى , واجهت بسببه نبذ وعنف اجتماعى هائل بشجاعه منقطعه , وبثبات على الراى لم يتزحزح حتى لو حلقت به منفرده وكلفها اثمان باهظه .
